كانت العرب في جاهليتها مع ما كونوا عليه من الضلال والكفر يعظمونه مع باقي الأشهر الحرم، ويحرِّمون القتال فيها، حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يهيجه، إلى أن حدث فيهم النسيء، فكانوا يؤخرون حرمة شهر إلى شهر آخر ليستبيحوا ..
أولاً: تعريف وبيان.
ثانياً: ما ورد في صيامه.
ثالثاً: مسألة: لماذا لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلمله- يكثر الصوم في المحرم مع ما ذكر فيه من الفضل؟!
أولاً: تعريف وبيان:
المحرم أو شهر المحرم هو أول شهور العام، سمِّي بذلك لأن العرب في الجاهلية كانوا يحرِّمون فيه القتال، ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم [1].
وكانت العرب في جاهليتها مع ما كونوا عليه من الضلال والكفر يعظمونه مع باقي الأشهر الحرم، ويحرِّمون القتال فيها، حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يهيجه، إلى أن حدث فيهم النسيء، فكانوا يؤخرون حرمة شهر إلى شهر آخر ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم.
ويضاف إلى الله تعالى فيقال: شهر الله المحرم.
فإن قيل: ما الحكمة في إضافته إلى الله تعالى مع أن الشهور كلها لله؟! فيقال: يحتمل أنه لما كان من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص، ولم يصحّ إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي -صلى الله عليه وسلمله- إلا شهر الله المحرم [2].
وقيل: أضيف إلى الله تعالى إعظاماً له [3].
وكانت العرب العاربة تسميه المؤتمِر أخذاً من أمِرَ القوم إذا كثروا، بمعنى أنهم يحرِّمون فيه القتال فيكثرون، وقيل: أخذاً من الائتمار بمعنى أنه يؤمر فيه بترك الحرب، ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير [4].
ثانياً: ما ورد في صيام المحرم.
1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللّه المحرّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) [5].
قال النووي: "قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم" [6].
وقال الشوكاني: "وفيه دليل على أنّ أفضل صيام التّطوّع صوم شهر المحرّم، ولا يعارضه حديث أنس عند التّرمذيّ قال: سئل رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: أيّ الصّوم أفضل بعد رمضان؟ قال: (شعبان لتعظيم رمضان) [7]؛ لأنّ في إسناده صدقة بن موسى وليس بالقويّ" [8].
وحمله ابن رجب على أنّ صيامه أفضل في التّطوّع المطلق بالصّيام بدليل قوله عليه أفضل الصّلاة والسّلام: (أفضل الصّلاة بعد المكتوبة جوف اللّيل)، قال: "ولا شكّ أنّ الرّواتب أفضل، فمراده بالأفضليّة في الصّلاة والصّوم التّطوّع المطلق، وقال: صوم شعبان أفضل من صوم المحرّم; لأنّه كالرّاتبة مع الفرائض. قال: فظهر أنّ فضل التّطوّع ما كان قريبا من رمضان، قبله أو بعده، وذلك ملتحق بصيام رمضان لقربه منه، وهو أظهر" [9].
وقال الشيخ ابن عثيمين --رحمه الله--: "اختلف العلماء رحمهم الله أيهما أفضل: صوم شهر المحرم أم صوم شهر شعبان؟ فقال بعض العلماء: شهر شعبان أفضل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه كله، أو إلا قليلا منه، ولم يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم، لكنه حثَّ على صيامه بقوله: (إنه أفضل الصيام بعد رمضان)، قالوا: ولأن صوم شعبان ينزَّل منزلة الراتبة قبل الفريضة، وصوم المحرم ينزل منزلة النفل المطلق، ومنزلة الراتبة أفضل من منزلة النفل المطلق، وعلى كل فهذان الشهران يسن صومهما" [10].
2- عن علي رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو قاعد فقال: يا رسول الله، أي الشهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ فقال: (إن كنت صائماً بعد شهر رمضان فصم المحرّم، فإنه شهر الله، فيه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين) [11].
وبما تقدم يتبين مشروعية صيام شهر محرم واستحبابه، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "شهر محرم مشروع صيامه وشعبان كذلك، وأما عشر ذي الحجة فليس هناك دليل عليه، لكن لو صامها دون اعتقاد أنها خاصة، أو أن لها خصوصية معينة فلا بأس. أما شهر الله المحرم فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلمله-: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)، فإذا صامه كله فهذا طيب، أو صام التاسع والعاشر والحادي عشر فذلك طيب، وهكذا شعبان فقد كان يصومه -صلى الله عليه وسلم-" [12].
ثالثاً: علة عدم إكثار -صلى الله عليه وسلم- الصوم في المحرم:
قال النووي: "قد سبق الجواب عن إكثار النبي -صلى الله عليه وسلمله- من صوم شعبان دون المحرم، وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته.
والثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما" [13].
ونقله الحافظ في الفتح ولم يتعقبه [14].
_______
[1] انظر: صبح الأعشى (2/401)، ولسان العرب (2/845) مادة (حرم).
[2] انظره من كلام أبي الفضل العراقي كما في حاشية السيوطي على سنن النسائي (3/206).
****** [3] انظر: لسان العرب (2/845) مادة (حرم معرفة فضائل شهر محرم و يوم عاشوراء قبل قدومه
عاشوراء وقصته في التاريخ :
أـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ماهذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه" (رواه البخاري 1865).
ب ـ وفي رواية لمسلم: "هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه" وقوله: "فصامه موسى" زاد مسلم في روايته: "شكراً لله تعالى فنحن نصومه"، وفي رواية للبخاري: "ونحن نصومه تعظيماً له". ورواه الإمام أحمد بزيادة: "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً". وقوله "وأمر بصيامه" في رواية للبخاري أيضاً: "فقال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا".
ج ـ وصيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال القرطبي: "لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السلام". وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتخاذه عيداً، كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً". وفي رواية مسلم: "كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيداً". وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" (رواه البخاري). لكنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية.
قال ابن الأثير في جامع الأصول: (شارتهم) الشارة: الرواء والمنظر والحسن والزينة.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه: محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يُصام.
فضل عاشوراء
وردت أحاديث كثيرة في فضل يوم عاشوراء، أذكر منها:
أـ عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يـوم عاشوراء: أحتسب على الله أن يكفر السنـة التي قبله" (رواه مسلم:1976).
ب ـ عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "ما علمت (أنَّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر ــ يعني: رمــضان ـ" (أخرجه البخــاري"4/215 ــ216 ومسلم:1132).
يخلق الله ما يشاء ويختار
قال عز الدين بن عبدالسلام: "وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل ديني، راجع إلى أنَّ الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها" (قواعد الأحكام1/38).
متى هو يوم عاشوراء؟
أ ــ قال ابن قدامة في المغني (3/174):"عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح حسن).
أيهما أفضل: يوم عرفة أم يوم عاشوراء؟
أـ قال ابن حجر في "فتح الباري" (4/315): "روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً: "إن يوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين".
وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: "إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك كان أفضل" اهـ.
ب ــ وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (م2/ج4/ص293): "فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام، بخلاف عاشوراء.
الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم".
هل كان عاشوراء قبل أن يفرض رمضان واجباً أم مستحباً؟
"اختلف العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجباً أو مستحباً؟ على قولين مشهورين، أصحهما أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول (هذا يوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين). ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وبلغه أنّ اليهود يتخذونه عيداً، قال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع"؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً،) اهـ.[ ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوي" (25/311)]
الحكمة من استحباب صيام اليوم التاسع
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في تعليقه على حديث "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع": "ما همَّ به من صوم التاسع يحتمل معناه أن لا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر، إما احتياطاً له، وإمَّا مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح،"(فتح الباري 4/245).
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في عاشوراء؟
أ ــ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: "فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" (رواه البخاري/2002 ومسلم /112 واللفظ لمسلم).
ب ــ والنبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون عاشوراء، وقالوا إنّ موسى صامه، وإنه اليوم الذي نجوا فيه من فرعون وغرق فرعون، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وقال: "نحن أحق بموسى منهم" (رواه مسلم).
قال ابن حجر: "وعلى كل فلم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه" (فتح الباري4/291،288).
وقال النووي-رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم: "قال القاضي عياض: وقد قال بعضهم: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب فصامه...ومختصر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كما تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضاً بوحي أو تواتر أو اجتهاد، لا بمجرد إخبارهم، والله أعلم".
صيام التاسع والعاشر لمن عليه قضاء رمضان
من الأخطاء صيام اليوم التاسع والعاشر وعليه قضاء رمضان، وهذا خطأ يجب التنبه إليه؛ لأن القضاء فرض، وصيام اليوم التاسع والعاشر سنة، ولا يجوز تقديم السنة على الفرض، فمن بقى عليه أيام رمضان وجب صيام ما عليه ثم يشرع بصيام ما أراد من التطوع المنصوص عليه شرعاً، كيوم عاشوراء والتاسع مثله
مراتب صيام عاشوراء
أ ــ أن يصوم اليوم العاشر ويكون قد صام عاشوراء.
ب ــ أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.
وكلما زاد الإنسان الصيام في شهر محرم كان أجره أعظم.
وأما حديث ابن عباس: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً وبعده يوماً" فالحديث ضعيف (ضعيف الجامع الصغير رقم3506).
عدم الاغترار بثواب الصيام
يغتر بعض الناس بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر.
قال ابن القيم: " لم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويان على تكفير الكبائر.
ومن المغرورين من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه؛ لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مئة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبداً يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذّابين والنمّامين، إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك محض غرور" (الموسوعة الفقهية ج31).
هذه نبذة من أحكام شهر الله المحرم ويوم عاشوراء، أسأل الله أن يجعله حجّة لنا لا علينا، والله هو ****
هذه بعض الابيات التى يزف بها الشعراء شهر رمضان الكريم
يقول الشاعر ابن حمديس الصقلي
قلت والناس يرقيون هلالا يشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضان خط بالنور للورى أول اسمـه
ويذكر البحتري هلال شهر شعبان حين أصبح قمراً يؤذن بطلوع شهر رمضان فيقول
قم نبادر بها الصيام فقد أقمر ذاك الهلال من شعبان
ويقول الشاعر الجزائري محمد الأخضر يمتدح هلال رمضان
امـلأ الدنيـــا شعاعـا أيهــا النـور الحبيب
قـد طـغـا الناس عليهـا وهـو كالليـل رهيب
فترامــت فـي الدياجـي ومـضت لا تستجيب
ذكـّر النــاس عهــودا هي من خير العهــود
يوم كان الصـوم مــعنى للتسامــي والصعـود
ينشر الرحمـة في الأرض علـــى هذا الوجـود
وفي الأدب العربي القديم والحديث تغنى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان ومنهم البحتري الذي قال في مديح الخليفة المعتصم
بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضية تفطر
ويقول محمود حسن إسماعيل مرحبا بشهر الصيام
أضيف أنت حــل على الأنام وأقسـم أن يحيــا بالصيـام
قطعت الدهـر جوابـا وفيـا يعـود مزاره فـي كل عـام
تخيم لا يحد حمـاك ركــن فكل الأرض مهـد للخيـام
نسخت شعائر الضيفان لمـا قنعت من الضيافة بالمقــام
ورحت تسد للأجواد شرعـا من الإحسان علوي النظــام
بأن الجود حرمـان وزهـد أعـز من الشراب أو الطعام
ويصور مشهد الصائمين المترقبين صوت المؤذن منتظرين في خشوع ورهبة نداءه فيقول
جعلت الناس في وقت المغيب عبيد ندائك العاتي الرهيب
كما ارتقبوا الأذان كأن جرحا يعذبهم ، تلفَّت للطبيــب
وأتلعت الرقاب بهم فلاحـوا كركبان على بلد غريـب
عتاة الأنس أنت نسخت منهم تذلل أوجه وضنى جنـوب
ونجد الشاعر أحمد مخيمر يناجي رمضان قائلا
أنت في الدهر غرة وعلـى الأر ض سلام وفي السماء دعـــاء
يتلقاك عند لقيـــاك أهل الـ ـبر والمؤمنون والأصفيـــاء
فلهم في النهار نجوى وتسبيــ ـح وفي الليل أدمــع ونــداء
ليلة القدر عندهم فرحة العمـ ـر تدانت على سناها السمــاء
في انتظار لنورها كل ليـــل يتمنى الهدى ويدعو الرجـــاء
وتعيش الأرواح في فلق الأشوا ق حتى يباح فيــها اللقـــاء
فإذا الكون فرحة تغمر الخلــ ــق إليه تبتـل الأتقيــــاء
وإذا الأرض في سلام وأمــن وإذا الفجر نشـــوة وصفــاء
وكأني أرى الملائكة الأبـــ ــرار فيهـا وحولها الأنبيــاء
نزلوا فوقها من الملأ الأعلــ ـى فأين الشقـاء والأشقـياء
وفي رمضان تتجه النفوس إلى الله بخشوع وإيمان وفي ذلك يقول الشاعر مصطفى حمام
حدِّثونا عن راحة القيد فيـه حدثونا عن نعمة الحرمـان
هو للناس قاهر دون قهــر وهو سلطانهم بلا سلطـان
قال جوعوا نهاركم فأطاعـوا خشعا يلهجون بالشكران
إن أيامك الثلاثين تمضــي كلذيذ الأحلام للوسنـــان
كلما سرني قدومك أشــجا ني نذير الفراق والهجـران
وستأتي بعد النوى ثـم تأتي يا ترى هل لنا لقاء ثـان
أما الشاعرة علية الجعار فكانت من أكثر الشاعرات احتفاء بشهر رمضان ففي ديوانها ابنة الإسلام نجد مقطوعة شعرية بعنوان رمضان جاء فيها
وإن هل بالنور شهر الصيـام يجـود به الله في كل عـام
وصمنا له طاعة في النهــار وقمنا له خشّعا في الظـلام
وفي ديوانها الأخير مهاجرون بلا أنصار نجد قصيدة بعنوان مرحبا رمضان وفيها
يا مرحبـا شهـر الهـدى شهر السماحــة والندى
ويقول أحمد شوقي
يا مديم الصوم في الشهر الكريم صم عن الغيبة يوما والنمـيم
ويقول أيضا
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى وقبل الصوم صم عن كل فحشا
و يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفا عند أحد البخلاء فهجاه بقوله :
رمضان في قلبي هماهم نشوة من قبل رؤية وجهك الوضـاء
وعلى فمي طعم أحسّ بأنــه من طعم تلك الجنة الخضـراء
لا طعم دنيانا فليس بوسعــها تقديم هذا الطعم للخلـفـاء
ما ذقتُ قط ولا شعـرت بمثله ألا أكون به من السعــداء
وكل عام وانتم بخير
ودمتم بود