أروع ما كتب الخال عبدالرحمن الابنودي وسيره حياته

مواضيع مفضلة

google-site-verification=D5w-oSMToT0i2p5C9gLSCRSvTOC8w9yn6b38v_QI38Y google.com, pub-6771521127778549 , DIRECT, f08c47fec0942fa0

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

كل الحب وكل الامنيات الطيبه لكل العالم مع الامل من المزيد من المحبه واحترام الراي الحر واختلاف الثقافات مع الاحترام الكامل للاديان وعدم الخوض في ما حرم الله وان نحترم الاخر وان نحاول ان نصحح عيوبه مع الاحترام الكامل للحريه في الوصف والتعبير والتبادل المعلوماتي الله خلقنا من المحبه والواجب ان نرد المحبه بكل الحب في الاحترام الكامل للرسل والانبياء والاديان والتشريع السماوي*All the love and all good wishes to all the world,

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات

من أنا

صورتي
انا الفارس والشاعر والاديب في بلادي وبلادك*** انا يا سيدتي من حارب جلادي وجلادك

جديد المدونه

الثلاثاء، 21 أبريل 2015

أروع ما كتب الخال عبدالرحمن الابنودي وسيره حياته

*‫#رحل_فارس_الشعر والحرف والكلمه رحل الناقد والمدافع عن الثوره رحل الخال *‫#رجل_وبقيت _جوابات‫#حريدي_وعدي_النهار ‫#والقدس_ويامنه_وبغداد *‫#سر الـ14 قرشا التى حصل عليها "الأبنودى" من الملك فاروق. *أسباب خلافاته مع أم كلثوم.. وكيف أقنع محمد رشدى بعدم الاعتزال *اشتريت «مِعزة» بعد أن جمعت كل أموالى ووالدى ذبحها عقابًا لى وأكلها هو وضيوفه *ولدت فى تسعة أيام لا يعيش فيها إنسان.. فقال والدى لأمى «دعيه يموت فى هدوء.. وشدّى حيلك وهاتى غيره *حفظت القرآن فى كُتاب «الشيخ إمبارك» والتسميع كان يتم بـ«الشاكوش» وصبغة اليود *أمى رأت فى المنام حمارة وَلَدَت جحشًا عليلًا.. ورأتهم يربطون ركبتيه بحبال كى تتماسكا لذلك حين أنجبتنى ربطت ركبتى بأشرطة الأقمشة المضفرة حتى لا تتفككا *أحد المقربين من «السادات» بأننى مرشح للوزارة فقلت لمدير مكتبه: «قول للريس أنا ما انفعش للشغلة دى» - * قابلت «عبدالناصر» مرة واحدة وأنا تلميذ فى الثانوية.. واعتقلت فى عصره وبعد ما قلبت فى وشوش اللى حكمونا بعده أدركت أننى لم أعطه حقه * *بعد 10 أيام من عيد ميلاده الـ76.. "الأبنودى" فى ذمة الله * *بالفيديو.. لحظة دفن "الخال" عبد الرحمن الأبنودى *بالفيديو.. آخر ما قاله عبد الرحمن الأبنودى عن "السيسى وقناة السويس والمصريين".. الشاعر يحلل شخصية الرئيس فى 4 سمات.. ويطالب المصريين بالحفاظ على "أرض الكنانة".. ويوجه 3 رسائل للشعب قبل الرحيل *عبد الرحمن الابنودي مع أروع قصائده للثوره المصريه *قصيدة الأبنودى لجمال عبدالناصر روعة .. لا تفوتك !!! ---------------------------- "الخال" يروى سيرته "الحلقة الأولى" : حصلت على 14 قرشاً من الملك فاروق.. وأخفاها والدى فارتكبت أول جريمة عائلية فى حياتى!.. عملت راعيًا للغنم وعمرى 5 سنوات.. ولم أستخدم الحذاء إلا فى المدارس ◄ اشتريت «مِعزة» بعد أن جمعت كل أموالى ووالدى ذبحها عقابًا لى وأكلها هو وضيوفه!.. وعندما سألت أمى: «أين ذهبت المعزة؟»، فقالت «أٌمال أنت أكلت إيه؟! ◄ ولدت فى تسعة أيام لا يعيش فيها إنسان.. فقال والدى لأمى «دعيه يموت فى هدوء.. وشدّى حيلك وهاتى غيره»! ◄ أمى رأت فى المنام حمارة وَلَدَت جحشًا عليلًا.. ورأتهم يربطون ركبتيه بحبال كى تتماسكا لذلك حين أنجبتنى ربطت ركبتى بأشرطة الأقمشة المضفرة حتى لا تتفككا! ◄ حفظت القرآن فى كُتاب «الشيخ إمبارك» والتسميع كان يتم بـ«الشاكوش» وصبغة اليود! فى كل مرة التقيت فيها الخال عبد الرحمن الأبنودى كان يصدمنى بوقائع مدهشة لم يعلن عنها من قبل، وبأسرار وتفاصيل لم يكتبها أو ينشرها أو يذكرها من قبل، كأنه يتحدَّى الزمن، ويريد أن ينتصر عليه. فهو “مخبِّى فى عينيه السحراوى تملِّى حاجات” -مثلما وصفته العمة يامنة- فهو يتحدث فى كل شىء ويذكر فى أحاديثه الممتدة عبر نصف قرن من الزمان أدق تفاصيل حياته لدرجة أنك تجزم أنه لا يمكن أن يكون لديه شىء يقوله بعد ذلك، لكن مخزون الخال لا ينفد أبدًا. هذا هو الخال كما عرفته، خلال عام كامل قضيته بصحبته -وصحبة أعماله- من خلال سلسلة حوارات يمكن اعتبارها حواراً واحداً امتد على مدار العام. اليوم: الاثنين 11 من إبريل عام 1938م. كانت السينما تعرض واحدًا من أهم الأفلام على مدار تاريخها، لكن تمت مصادرته فى اليوم الأول لعرضه! الفيلم هو «لاشين». وقصته أن قائد الجيش حاول تنبيه الحاكم إلى ألاعيب حاشيته، وغضب الناس منها، لكن الحاكم الضعيف لم يستجب له، وترك حاشيته - وأهله وعشيرته - يفعلون ما يشاؤون لدرجة أنهم قاموا باعتقال قائد الجيش! لكن الأمور صارت من سيئ إلى أسوأ حتى حدثت مجاعة كبرى جعلت الشعب يثور ضد الحاكم، وحاشيته، وتم إسقاط النظام، وأفرج الشعب عن «لاشين» قائد الجيش، واعتبروه بطلًا قوميًّا، وقائدًا عظيمًا وقف مع الشعب ضد الاستبداد، وأسهم فى كشف الفساد، حتى عمَّت العدالة البلاد. لكن عندما عُرض الفيلم للمرة الأولى تم اعتبار هذه القصة بمثابة عيب فى الذات الملكية! وتمت مصادرة الفيلم وتغيير نهايته، واعتبار أن كل ما جرى خلال أحداث الفيلم مؤامرة كبرى تعرض لها الحاكم، الذى انتصر فى النهاية على المتآمرين، ووافقت الرقابة على عرضه بعد تعديله! لكن المدهش أن صاحب هذا السيناريو البديع هو الشاعر أحمد رامى، وقد لعب بطولة هذا الفيلم ممثل درس التمثيل فى فرنسا اسمه «حسن عزت»، وشاركه فى البطولة الفنان حسين رياض، وأخرج الفيلم المخرج الألمانى «فريتز كرامب». فى هذا التوقيت كان جمال عبدالناصر قد تخرَّج فى الكلية الحربية، والتحق بالكتيبة الثالثة بنادق، وتم نقله إلى «منقباد» التى التقى فيها أنور السادات. وعبدالحليم حافظ قد بلغ التاسعة من عمره، وقرر خاله أن يُودِعه فى ملجأ للأيتام، وقضى حليم هناك ثمانى سنوات حتى غادر الملجأ إلى معهد الموسيقى العربية. وبيرم التونسى كانت تطارده السلطات الفرنسية، وتطرده من كل بلد يذهب إليه بسبب سخريته اللاذعة من الاحتلال الفرنسى. .. وفؤاد حداد التحق بمدرسة «الفرير»، وذهب صلاح جاهين إلى مدرسة الناصرية الابتدائية. .. وكانت نُذٌر الحرب العالمية الثانية قد بدت فى الأفق بعد تعميم التدريب العسكرى. .. وتم تكليف محمد محمود باشا بتشكيل وزارته الثانية التى أطلق عليها «وزارة كبت الحريات وضرب الشعب»، وقد عيَّن محمد محمود باشا نفسه وزيراً للداخلية بجانب رئاسته للوزراء! ولم تستمر هذه الوزارة سوى شهرين فقط! هذه الحكومة رغم مساوئها العديدة فإنه كان من أبرز مزاياها أنها ضمَّت ثلاثة أسماء لامعة فى الفكر، والدين، والأدب. فقد تم اختيار المفكر الكبير أحمد لطفى السيد باشا - الذى لقَّبه العقاد بـ«أفلاطون الأدب العربى» - ليكون وزيرًا للدولة. وصار الدكتور محمد حسين هيكل - صاحب أول رواية مصرية- وزيرًا للمعارف. وتولَّى منصب وزير الأوقاف الشيخ مصطفى عبدالرازق - شقيق الشيخ على عبدالرازق صاحب كتاب «الإسلام وأصول الحكم» - وقد تتلمذ الشيخ مصطفى على يد الإمام محمد عبده، بينما كان نجيب محفوظ واحدًا من تلاميذه. فى نفس التوقيت كان الملك فاروق يحتفل بزفافه على الملكة فريدة فى دار الأوبرا المصرية، وذلك بعد أن أصدر مرسومًا ملكيًّا بحلّ البرلمان الوفدى، وقد ثار النواب الوفديون، ولكن الشرطة أخرجتهم من المجلس! وفى نفس العام ظهرت ليلى مراد لأول مرة، ووُلد الأديب يحيى الطاهر عبدالله، ونشر طه حسين كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر»، وظهرت أول مجموعة قصصية لنجيب محفوظ باسم «همس الجنون»، وظهر لتوفيق الحكيم روايته «عصفور من الشرق». وسط هذه الأجواء، أنجبت فاطمة ابنها عبدالرحمن. 2 فى تسعة أيام من النادر أن يعيش فيها إنسان، وإذا عاش فإنه يعيش عليلًا، وإذا وقف سرعان ما يسقط. إنها أيام الحسومات، و«الحسومات» حسب التقويم القبطى - الذى ما زال أهلنا فى قرى الصعيد يتبعونه - أيام تسعة، تأتى فى وقت معين من السنة القبطية. ** حينذاك كانت تنتظر فاطمة قنديل بزوغ الهلال الجديد بصبر فريد، لأنه يعنى أن عمر ابنها الميت قد زاد شهرًا، وكانت الأم تصعد للهلال الجديد أعلى قمم البيت، لتصبح بمفردها مع الهلال وربّ العباد بعد أن يتشرب الغروب اسمراره المعتَّق لتلمع نجوم السماء فتضىء جسدها الذى يصعد منه الدعاء، وتكشف رأسها تناجى وتدعو وتتوسل إلى ربها. فى هذه اللحظة العصيبة حاول الشيخ محمود التخفيف عن زوجته، وقال لها: «دعيه يموت فى هدوء، لا تتعلقى به.. اعتبرى أنك لم تنجبيه.. شدّى حيلك وهاتى غيره.. ليس له عمر». لكنها لم تستجب، ولم تيأس، ولم تفقد الأمل، بل كانت تقوم بجمع النساء حول جسد ابنها الميت البالى، وتُشعل البخور، وتظل تبتهل إلى الله وتدعوه بفيض من الأدعية وأطنان من الطقوس التى مارستها بجنون حتى يظن من لا يعرفها أنها تنتظر مولودها الأول وليس الرابع! كانت فاطمة تفعل ذلك كل ليلة فى الصباح والمساء، وتخلع ملابسها، وتتطهر، وتخرج فى قلب الليل، وعند استقبال الفجر تتوسل إلى الله أن يظل ابنها حيًّا، وقد استجابت لها السماء، لذلك ظلت فاطمة قنديل تشعر بأنها حققت أكبر معجزة فى الدنيا، وهى أنها أبقت ابنها «عبدالرحمن» على قيد الحياة بعد قتال مرير، وحرب ضروس ضد الطبيعة وقوانين الوجود بخبرتها الطبية النادرة، ووعيها بتجارب السابقين. فقد رأت فاطمة قنديل فى المنام - خلال فترة الوَحَم - حمارة وَلَدَت جحشًا رفيعًا عليلًا! رأته بعد ولادته مباشرة على تلك الحالة التى لا يقوى فيها أى جحش صغير على المشى، رأت الجحش الهزيل، ورأتهم يربطون ركبتيه بحبال كى تتماسكا، لذلك حين أنجبت ابنها، ووجدته غير قادر على استعمال ركبتيه كأنداده جميعًا، استوحت فكرة حبال الجحش، ونقلتها من ركبتى الحيوان إلى ركبتى الإنسان، وربطت ركبتى وليدها عبدالرحمن بأشرطة الأقمشة المضفرة حتى لا تتفككا! فى هذه الظروف الاستثنائية وُلد «عبدالرحمن محمود أحمد عبدالوهاب حسن عطية حسن أحمد عبدالفتاح عمران» الذى صار فيما بعد الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، نسبةً إلى قريته أبنود التى نشأ بها، وعاش فيها طفولته، وعمل بها راعيًا للغنم. ومهنة الرعاة هى مهنة الأنبياء -مثلما يصفها الخال- «يا تطلع منها نبى يا تطلع شاعر» لكثرة ما فيها من تأمل للطبيعة والناس. 3 كان «عبدالرحمن» يستيقظ كل صباح ينتظر غنمه التى يرعاها أمام باب البيت. فى كل صباح تجد كل أبواب البيوت وقد فُتحت وقفز منها الماعز والخرفان وتنخرط جميعًا فى طابور وتملأ الدنيا غبارًا، والأطفال وراءها يستعدّون للرعى وهم حفاة، فلم يكن أحد وقتها يملك حذاءً حتى مَن كان يملك حذاء من الكبار لم يكن يستعمله فى أغلب الأحيان. فكانت «ست أبوها» جدة عبدالرحمن تسير فى عز القيالة إلى مشاوير العزاء الطويلة ملتفَّة ببُردتها، تلقف من الحَرّ وتوحِّد وتستشهد خوفًا من أن تموت، تزيح الباب ذا الضلفة الواحدة كأنها قادمة من السعير وتجلس على أول شىء مرتفع. تفرد فى الأرض «المبخوخة» قدميها المتورمتين الحافيتين، وقد نسيت حذاءها المعقود فوق رأسها، كأنها فقط كانت تقول للآخرين إنها تملك «مداسا»! كان الرجال يفعلون ذلك حتى فى الملابس! وأحيانا إذا ما ورَّمت القيالة القدمين المنتفختين، كانت «ست أبوها» تدق عدة «بَصَلات» عليها ملح تلطخ به رجليها حتى الساقين لـ«يفشّ» الورم وتعود الساقان إلى طبيعتهما القديمة. تعرف أن كل هذا سيحدث لها، ومع ذلك تنسى حذاءها المعقود فوق رأسها وتخوض حافية فى «لهاليب» جهنم. لكنها لم تكن وحدها التى تفعل ذلك، وكأن الحذاء حرام أو عيب «يقولوا عليّا لابسة جزمة؟! ليه رايحة أتجوّز ولّا رايحة عُرس؟ دى جنازة يا ولدى. ده واجب». فى هذا الزمن لم تكن فكرة الحذاء مطروحة أصلًا، وتبدو فكرة أسطورية بعيدة التخيل والمنال، لكنها لم تكن تخطر على بال أحد فى أبنود، لأن الأفكار تخلقها الحاجة، ولم يكونوا يشعرون أنهم فى حاجة إلى حذاء. فى ذلك الوقت حتى لو امتلك أحد هذا الحذاء فإن القدرة على استخدامه كانت معدومة، لأنه ليس من المعقول أن يذهب طفل بحذاء للرَّعىْ، فى التراب والماء والوحل. الرعى مهنة أساسها الحرية - مثلما يقول الخال - حرية البدن والساق بالتحديد، للكر والفر والمطاردة والمحاصرة والمسايسة، تردّ من هنا وتصدّ من هناك، تزعق وتعوى، وتضرب، وتردع حتى يسمعك جيدًا صاحب الحقل الذى اعتدَتْ عليه بهائمك فيغفر لك خسارته وإلا خربت الدنيا. الحذاء هنا شىء معطَّل، شىء فى مصلحة الماعز وضد صاحب الحقل وضدك، شىء يهيئ للعنزة الطائشة أن تطيش، والنعجة الهاربة أن تتمكن من تنفيذ مخططاتها اللئيمة. لذلك كان الجميع حفاة، كلهم يرتدون قميصًا واحدًا خامًا رخيصًا يستر نصف البدن، أما فكرة الملابس الداخلية فلا تنشأ إلا قبل ليلة الزفاف بوقت قصير! *قصيدة العمة يامنة ـ للشاعر عبد الرحمن الابنودي ـ ** هكذا عاش «عبدالرحمن» - حتى بلغ الخامسة من عمره - مع أقرانه حياة فقيرة لكنها مُلهمة حتى إنه يعتبرها أيامه الحلوة رغم كل ما فيها من قسوة. فكان على الطفل الصغير أن يأتى بطعامه بنفسه، ويأخذ سنارة، ويذهب بها إلى النهر ليصطاد السمك الذى يكفيه قوت يومه، وإلا مات جائعًا. 4 فى ذلك الزمن كان الصبى لا يملك غير جلباب واحد من «الدمُّور الخام» حُثالة القطن، أبيض أقرب إلى البنى، يبقعه بلح النخيل ولوزات القطن إلى أن يختفى على آخر العام لونه القديم تماما. وكان «عبدالرحمن» مثل كل أقرانه يملك هذا الجلباب، لكنه أراد أن يستخدمه بصورة مختلفة يروى تفاصيلها قائلًا: كنتُ أعتقد أن سيّالتى - الجيب الطولى الذى بجانب ثوبى- قد تتسع لرمانة أو رمانتين، لكنى اكتشفت غير ذلك حين خططت لأول سرقة فى حياتى! فقد كان فى ظهر بيتنا جنينة واسعة اسمها جنينة «على غزالى» وكانت بالغة الاتساع مزروعة فقط بالرمان، وكان رمانها يغطى أسواقًا كبيرة لمناطق بعيدة، لذلك تصورت أنه لن يفطن أحد لهذه السرقة البسيطة التى لا أريد منها سوى رمانة أو اثنتين، كما يمكننى إخفاء القشر بالدفن فى تراب الفرن أو فى قلب شونة التبن. وحين استقر الأمر، وعقدتُ النية على السرقة، انزلقت من على الجدار العالى إلى أرض جنينة «على الغزالى»، وحين لامست القدمان الأرض، كانت الركبة قد تسلخت، وأَدْمَت نفسها، لكنى لم أكن أحس شيئًا، واكتشفت كل ذلك بعدها بكثير! ووجدت نفسى فى الجنينة بين الأشجار، وحيدًا. وبدأت أمد يدى داخل الفروع الشوكية، وأنتزع الرمانة لأكتشف أنها لا تُنتزع، فبدأت أديرها وألفها كأنك تفتح حنفية إلى أن يرق العود الرفيع القوى الذى يمسك بالرمانة من كثرة لَفّ الرمانة فتنقطع، كلما قطعت واحدة تلألأت لى أختها، وجدتنى فى النهاية وقد كومت كومة كبيرة، لم أجد صعوبة فى العثور على حبل ربطت به وسطى و«عبعبت» عِبِّى - كما تعلمت من جنى القطن - ورحت أضع الرمان حتى امتلأ. فجأة وجدتُ على رأسى «منسى» - رحمه الله - وهو ابن «على» وهو أكثر البشر بدانة فى أبنود. جريت لأهرب فلم أستطع لدرجة أن «منسى» البدين الثقيل الذى لا يتحرك أمسك بى بسهولة أنا العفريت الخفيف الذى يقفز كالغزال، كان الرمان فى عبّى أثقل من وزنى نفسه، لم أكن قد اكتشفت أنه ثبّتنى فى الأرض كالجدار القديم، فَصِحْت: «يا امّه». سمعتْ أمى صراخى ففزعتْ، واعتقدتْ أنى سقطتُ فى البئر، وراحت تنظر والصراخ يأتيها من جهة أخرى إلى أن اهتدت إلى مكانى، واعتقدت أنى سقطت فى الجنينة دون قصد وأنا أطلّ من سور «الزَّرب». بعد قليل تفهمت الموقف من قبضة «منسى» الممسكة بكم قميصى الدَّمور، وذلك العب الملىء بالرمان. أفرغت الرمان وخرجت إلى بيتنا من باب الجنينة يملؤنى الخجل ويجلّلنى العار، وجاء والده بالرمان بعد أن وبَّخ ابنه، وقبل أن ينصرف الرجل سأل جدتى عن اسم ابنهم الذى قفز الجدار، فأجابت أمى من الداخل: «رمان». من يومها، وصار اسم تدليلى «رمان» فى بلدة لا تدلل أبناءها. ويعلِّق الخال على هذه الواقعة قائلًا: لو لم يقتحمنى الشعر ويتلبسنى ويأخذنى من كل هواية أو متعة أخرى لصرتُ لصًّا حاذقًا خفيف اليد. هكذا يمكن أن نقول إن الشعر أنقذنى من السجن المدنى لكنه قبض الثمن حين زجَّ بى إلى زنازين السجن السياسى! 5 ترك الأبنودى الغنم، وذهب إلى كُتَّاب الشيخ امبارك، وكان يوم «التسميع» فى الكُتَّاب يتم بالشاكوش وصبغة اليود، ومن لا يحفظ تُشق رأسه بشاكوش الشيخ! ويقوم مساعداه الشيخان «همام» و«رمضان» بوضع كمية لا بأس بها من صبغة اليود فى حفرة الرأس، وبعض لوزات قطن ببذرها، وكان يوم الخميس أيضًا هو الذى ندفع فيه «الخميس» للشيخ ثمنًا للعلم الذى نتلقاه، و«الخميس» هو عشرة مليمات إذا لم ندفعها كان عقابنا منه أشد من عقابنا عن عدم الحفظ ساعة التسميع. كان هذا السلوك ثابتًا قدريًّا لا يتغير ولا يتزحزح من مكانه حتى لو انطبقت السماء على الأرض إلا فى ذلك اليوم الذى لم يكن لاختلافه مثيل، والذى بطش بالسلوك التقليدى المحكم لكُتَّاب مولانا «الشيخ امبارك» ---------- عبدالرحمن الابنودي - رسائل حراجي القط كامله ** أبلغنى أحد المقربين من «السادات» بأننى مرشح للوزارة فقلت لمدير مكتبه: «قول للريس أنا ما انفعش للشغلة دى» - قابلت «عبدالناصر» مرة واحدة وأنا تلميذ فى الثانوية.. واعتقلت فى عصره وبعد ما قلبت فى وشوش اللى حكمونا بعده أدركت أننى لم أعطه حقه (1) فى عام 1954 ذهب مجلس قيادة الثورة بأكمله إلى مدينة قنا لمواساة أهلها، ولمواجهة الكارثة التى حدثت هناك، فالسيول دمرت المدينة، لدرجة جعلت التلاميذ يذهبون إلى المدارس على قوارب صنعوها من جذوع النخيل. يومها كان البلد بكامله فى استقبال الضيوف من سياسيين وفنانين كبار حضروا لمساندة أهالى قنا. وكان «عبدالرحمن» يقف مع زميله فى المدرسة جمال نصارى، فقال له: «مش الراجل اللى هناك دا شبه جمال عبدالناصر اللى فى الصورة؟»، فقال له: «باينّه هو». فذهب الاثنان، ووقف «عبدالرحمن» أمام «عبدالناصر» وقال له: «أنت جمال عبدالناصر؟»، فرد عليه: «أيوه»، فقال له الخال: «ممكن أسلم عليك؟»، فسلم عليه، ونظر إليه نظرة ما زالت محفورة فى ذاكرة الخال حتى الآن، لدرجة أنه يقول إنها كانت السبب فى قصيدة «عبدالناصر» التى كتبها فيما بعد. كانت هذه هى المرة الأولى والأخيرة التى رأى فيها عبدالرحمن الأبنودى جمال عبدالناصر وجهًا لوجه. المدهش أن الأبنودى لم يكن مناصرًا لـ«عبدالناصر»، بل كان معارضًا له حتى رحل، فصار من أشد مؤيديه، بل من أكثر المدافعين عنه، والمؤمنين بما فعله، رغم أنه دخل السجن فى عصره، ومكث فيه ستة أشهر. ففى أكتوبر 1966 اقتحم ضباط المباحث منزل الخال عبدالرحمن الأبنودى، وتم إلقاء القبض عليه، ومصادرة كل أوراقه، وعصب عينيه بقطعة من قماش، وأخذوه إلى إحدى جهات التحقيق. وفى أثناء سيره فى الطريق إلى المعتقل ظلوا يضربونه بـ«الشلوت» وعلى رأسه حتى وصل إلى مكتب المحقق وهو لا يستطيع الوقوف على قدمه، والذى أجرى تحقيقًا صوريًا معه. وبعد انتهاء التحقيق مكث 36 يومًا فى سجن انفرادى فى القلعة، بلا أى شىء، لا جورنال، ولا ورقة، ولا يرى سوى بُقعة ضوء تأتى إليه كل صباح من نافذة الزنزانة، ويظل يلاعبها إلى أن تبهت وتختفى. لم يكن «الأبنودى» وحده الذى دخل سجن «عبدالناصر» فى هذا التوقيت، فقد سبقته قائمة طويلة من المثقفين، ودخل معه السجن عدد كبير من أصدقائه المقربين، من بينهم جمال الغيطانى، وسيد خميس، وصلاح عيسى، وسيد حجاب، لكن كان من غير المسموح أن يجلسوا معًا، أو يتحدثوا معًا، لكن الخال كان يحاول أن يُسقط جدار الزنزانة بصوته، فكان يقضى يومه فى الغناء داخل الزنزانة ليسمعه أصدقاؤه حتى يقوِّى من عزائمهم، ولعل أكثر أغنية كان يرددها هى «عم بضوى الشمس» للسيدة فيروز. وعندما كان يمر عم سيد حارس الزنزانة يقول ضاحكًا: «أهى دنيا بتلعب بينا.. على رأى الأبنوبى»! لكن كان يرد عليه الخال من خلف باب الزنزانة ويقول له: «مش أنا يا عم سيد اللى كتبتها»، فيرد مندهشًا: «أُمَّال همَّا جابوك هنا ليه؟!». السجن لم يجعل «الأبنودى» يفقد صوابه مثل كثيرين، ولم يجعله يكره سجانه. ظل متصالحًا مع هذه التجربة، بل يرى أنها تجربة كان لا بد منها حتى يكتمل البناء الشعرى له، فهو يرى أن الشاعر الحق لا بد أن يمر بثلاث تجارب رئيسية: أن يعيش أجواء الحرب، وأن يدخل السجن، وأن يأنس بالحب، وقد مر بالثلاث. لكن تجربة السجن تركت فى الخال أثرًا مدهشًا، يقول عنه: «كان حائط السجن مثل كرسىّ الاعتراف، إذا أردت أن تعرف نفسك جيدًا، أسند ظهرك على حائط السجن، هتعرف قد إيه شجاع أو قد إيه جبان، وبتخاف من إيه، وبتخاف على إيه، ودرجة صمودك قد إيه، وكيف ترى الناس حولك». - لكن السؤال: لماذا تم اعتقال عبدالرحمن الأبنودى؟ والجواب يرويه الخال بقوله: كنت فى منظمة سياسية، وأبلغ عنى المسؤول السياسى فى المنظمة، وكان اسمها «و - ش» أى وحدة الشيوعيين، وكانت تتكون من مجموعة من المناضلين وقتها، وكان من بينهم جمال الغيطانى، ومحمد العزبى، وجلال السيد، وعلى الشوباشى. ولم تكن منظمة حقيقية، ولم يكن لها أهداف واضحة، وقد تكونت بالجهود الذاتية، وكانت رسوم الاشتراك 25 قرشًا، وكانت أشبه بـ«تعليم الماركسية بالأجر»، ولكن بعد هذه التجربة قررت أن أكوِّن حزبًا بمفردى. ويعلّق الخال ساخرًا: «هو فى حد عاقل يروح يجيب لنفسه رئيس.. إذا كان رئيس الوحدة اللى كنت فيها طلع هو اللى مبلّغ عنى مباحث الأمن». لكن صدر القرار بالإفراج عن «الأبنودى» ورفاقه بناءً على طلب المفكر جان بول سارتر الذى رفض الحضور لمصر بسبب اعتقال مجموعة من المثقفين، واشترط أن يتم الإفراج عنهم قبل حضوره إلى القاهرة، لكن «عبدالناصر» وافق بشرط، وهو أن يأتى «سارتر» أولًا إلى مصر، وبعد أن يصعد إلى طائرته، يتم الإفراج عن جميع المثقفين. (2) رغم كل ما حدث، فإن الخال «الأبنودى» صار ناصريًا أكثر من الناصريين أنفسهم، ولكن بعد رحيل «عبدالناصر» بسنوات طويلة، وعندما سألته عن أسباب ذلك التحول الكبير مع الرجل الذى انتقده حيًا ومدَحه ميتًا قال: «بعد ما قلّبت فى وشوش اللى حكمونا بعده أدركت أنى لم أعطِ للرجل حقه». ويفسر الخال كلامه قائلًا: فى أبنود لم نشعر بما فعله «عبدالناصر»، فلم يكن لدينا إقطاعيات حتى نعرف فضل «عبدالناصر» الكبير على الفلاحين، فالوادى ضيق، والجبلان ضاغطان على النيل، والمساحة الخضراء ضيقة جدًا، فعندما وزَّع «عبدالناصر» الأرض على الفلاحين لم تستفد أبنود بشىء، وأنا وأهلى لم نستفد بشىء، ولم يتغير سوى أن الطبيب أصبح فى القرية على بعد أمتار من الوحدة الصحية. لكن عندما جاء «السادات» و«مبارك» ثم وصلنا إلى «مرسى» أصبح لزامًا علىَّ أن أتذكر «عبدالناصر» للأجيال التى لوثوا لها وجه «عبدالناصر»- والكلام لا يزال على لسان الخال - فهو بطل شعبى. لكن عندما وقعت حرب أكتوبر 1973 كان الخال فى إنجلترا بصحبة الأديب السودانى الطيب صالح، وعندما عرفا بالحرب، وحاولا العودة إلى مصر عن طريق ليبيا، لم تفلح المحاولة، فحُكم عليه أن يظل فى بلاد الثلج والضباب، وأن يشاهد الحرب من وجهة نظر الأعداء. ويروى الخال تفاصيل ما جرى هذه الفترة بقوله: الإنجليز يتحدثون طوال الوقت باعتبارهم أنصار القضية الفلسطينية، لكن بمجرد أن قامت الحرب صاروا يهودًا أكثر من اليهود ذاتهم، وتبنوا موقف إسرائيل فى كل شىء، لكن الميزة الوحيدة أننى رأيت ما لم يره الشعب المصرى، فقد شاهدت حرب الدبابات التى كان بطلها المصرى العظيم عبدالعاطى، صائد الدبابات، وغيره، وأدركت أننا «دعكناهم»، خصوصًا أن كل دبابة تخرج عندهم بكاميرا لتسجل تفاصيل المعارك، ظنًا منهم أن الكاميرات ستسجل انتصارات، مثلما فعلوا أثناء حرب 67، لكن هيهات! ويواصل الخال: عندما كنا نذهب إلى نادى الـ«بى بى سى» ونطلب الغداء، ونجلس على ترابيزة نجد أنفسنا محاطين بكراهية ليس لها حدود من الذين كانوا أصحابنا بالأمس، كل ذلك كان بسبب إسرائيل، فكانت تجربة مختلفة ومهمة. لكن بعد مرور الأيام، وانتهاء الحرب، بدأت جيهان السادات تظهر فى الصورة، وتتصدر المشهد بزياراتها لجرحى الحرب. فى هذا التوقيت اتصل المخرج الراحل محمد سالم بـ«الأبنودى»، وأبلغه أن حرم الرئيس تريد منه العودة إلى القاهرة، من أجل أن يقوم بإلقاء قصائده فى احتفالات النصر، لكن «الأبنودى» اعتذر قصيدة الأبنودى لجمال عبدالناصر روعة .. لا تفوتك !!! ** ** --------- بعد مرور 10 أيام على ميلاده الـ76، توفى الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، عصر اليوم، عقب صراع طويل مع المرض. كان الأبنودى قد أجرى جراحة فى المخ، بالمركز الطبى العالمى التابع للقوات المسلحة بطريق "القاهرة ـ الإسماعيلية" الصحراوى، منذ يومين. ومن المقرر نقل جثمان الشاعر الكبير إلى منزله على أن يقام سرادق العزاء يوم الأربعاء فى الإسماعيلية. "اليوم السابع" يفتح الباب أمام قرائه للمشاركة بالعزاء فى وفاة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، داعياً الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته.

بحث هذه المدونة الإلكترونية

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف