تيك توك
0
التكنولوجيا الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير كبير جداً على الشباب وخاصة الطلبة في مرحلة المراهقة، حيث يقضون أوقاتاً كبيرة جداً يستخدمون فيها تلك التطبيقات على هواتفهم، مما يزعج الكثير من أولياء الأمور والمعلمين بشكل كبير، ولكن هل يمكن أن يكون هناك وجوه إيجابية لذلك الأمر؟ هناك عدة فيديوهات أثارت جدلاً في الأيام القليلة الماضية، ولاقت إعجاب الكثير من الناس، وهي عبارة عن مقاطع فيديو تمثيلية لأحداث تاريخية وسياسية بطريقة شيقة وكوميدية، يصدرها مجموعة من الشباب المراهقين على تطبيق تيك توك.

كيف يرى معلمو التاريخ هذا الأمر؟

تجيب على هذا السؤال إيزي جونس إحدى معلمات التاريخ المتميزات في لندن التي أبدت إعجبابها الشديد بالطريقة التي استغل بها هؤلاء الشباب منصة تيك توك وتقول ” أكثر ما أعجبني المستوى الذي وصلت له العلاقات الدولية في القرن العشرين” وأضافت ” أود استخدام بعض من تلك المقاطع في أحد فصولي”.
وتكلمت عن تلك المقاطع التمثيلية وشدة تأثيرها، حيث يقوم هؤلاء الشباب في بعض المقاطع بتجسيد الدول، أي أن كل شخص منهم يمثل دولة معينة، ويبدأون بتمثيل الأحداث التي دارت بين تلك الدول، من مفاوضات وحروب ومناوشات، بطريقة كوميدية ممتعة ومشوقة.
في إحدى المقاطع الكوميدية التي تمثل الغزو الألماني لبلجيكا، يمثل فيها شابين أحدهما يجسد ألمانيا والآخر يجسد بلجيكا، يقول الشاب  @Dontkickphilip  (ألمانيا) مخاطباً الشاب الآخر (بلجيكا): ” أنا لم أدفعك، أنا فقط أزحتك عن طريقي بعدما طلبت ذلك منك ثلاث مرات، فاضطررت أن أمر من فوقك” يوضحان بذلك سبب الغزو الألماني لبلجيكا عندما رفضت بلجيكا مرور ألمانيا من خلالها.

وفي مقطع آخر يسخر من الاستعمار الاستيطاني الأوروبي للأمريكتين، يعرض الفيديو امرأة أمريكية تقوم بالتفكير بالبيزنس الخاص بها بينما تقوم بعقد الضفائر لشعرها، وفجأة يظهر أمامها آلاف من المستوطنين الأوروبيين.

حول فكرة تجسيد الدول

بالطبع إن فكرة تجسيد الدول، وخلق حوار بينها أمر في غاية الإبداع، كما يسهل علينا فهم الأحداث التاريخية ومعرفة الأسباب وراء تلك الأحداث كأنها حدثت أمامنا.
تجسيد الدول والأحداث يحول النصوص المكتوبة في الكتب بشكل ممل إلى أحداث مرئية ومجسدة أمامنا، كما تعطي صورة جيدة حول استخدام الشباب والمراهقين للتكنولوجيا في الأعمال الإبداعية والمفيدة.
تقول معلمة التاريخ ايزي جونس ” هؤلاء الشباب لم يقوموا باستخدام التكنولوجيا بشكل فعال فحسب، بل استخدومها بشكل مناسب كذلك … في بعض الأحيان يكتب شخصاً مقالة يستخدم فيها قواعد اللغة المعقدة بشكل صحيح، ويستخدم كذلك أعلى مستوى من التعابير اللفظية والكلمات ولكن في النهاية تجد المحتوى بلا معنى وبلا فائدة، أما في حالة هؤلاء الشباب فالأمر مختلف تماماً”.
بالطبع لا تعطينا تلك المقاطع معلومات كاملة، فهذا شيء طبيعي من مقاطع لا تتجاوز مدتها عدة ثوان، ولكنها تعطينا صورة تمثيلية مختصرة لأهم الأحداث التاريخية، وخصوصاً فيما يتعلق بأسباب غزو الدول لبعضها، وأسباب الحروب وغيرها من الأحداث الهامة التي لا يعرفها الكثير من الناس، وليس لديهم الوقت الكافي للبحث عنها في الكتب والمقالات، أو يجدها بعض الطلاب شيئاً صعباً ومملاً عند دراستها.
حيث تقول إيزي جونس معلمة التاريخ أن فيديو مدته 15 دقيقة فعال جداً في إعطائك أهم نقطة في الحدث، وتعريفك بأسبابه الرئيسية، لكن بالطبع لا يمكن أن يعطيك القصة كاملة.
في فيديو لهم يتحدث عن الطاعون الذي قتل نصف أوروبا من عام 1347 إلى عام 1351 يقوم ذلك الشاب @youalreadyknowbb
بتمثيل مؤامرة بين الطاعون والفئران، حيث قام بتجسيد الطاعون والفئران وتمثيلهما وهما يتآمران على قتل نصف سكان أوروبا ليصبحان من مشاهير التاريخ.

بالطبع لا يشرح لك ذلك المقطع القصة بشكل كامل، فالفئران ليست السبب الوحيد للطاعون، ولو كانت كذلك لأجتاح الطاعون لندن الآن، ولكن نقص الرعاية الطبية، وقلة الاهتمام بالنظافة الشخصية، وعدم التطور الطبي تعد من العوامل المهمة التي أدت لذلك الأمر.
كما قالت المعلمة أن هؤلاء الشباب لو كانوا يدرسون في صفها لكانت تعطيهم العلامات النهائية بخصوص تلك المقاطع على التيك توك.
تلك التجربة المميزة والشيقة تعطينا مثالاً رائعاً يحتذى به عن استخدام السوشيال ميديا للشباب والمراهقين بشكل فعال، كما تفتح مجالاً للإبداع، وتشجع على التفكير خارج الصندوق والخروج بأفكار إبداعية مفيدة في جميع المجالات وليس المجال التاريخي فحسب.
التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تسهيل التواصل بين الشباب من جميع أنحاء العالم، ونشر الأفكار الجديدة والإبداعية لتجد صدى ودعماً لا بأس وتشجعياً من الكثير من رواد تلك المواقع، مما يساعد على نشرها ومعرفة الناس بها، مما يشجع غيرهم من الشباب على الخروج بأفكار مماثلة في مجالات متنوعة.
هناك وجه آخر إيجابي للسوشيال ميديا غير الوجه السلبي الذي يراه أغلب أولياء الأمور والمعلمين الذين دائماً يلومون الشباب والمراهقين على قضائهم أوقاتاً كبيرة على تلك المنصات، فبدلاً من ذلك يمكننا تشجيعهم على تقديم شيء مفيد ومميز يبدعون فيه ويقدمون الفائدة لغيرهم من الناس.