"سنوات الجمر"... السيناريو الذي تخشى مصر تكراره مع بداية ملء سد النهضة
© Sputnik . Amro Omran
قبل أيام، قالت وكالة رويترز إنها اطلعت على مذكرة وزعتها مصر على الدبلوماسيين بشأن سد النهضة الإثيوبي، تشير إلى وجود خلافات أساسية حول التدفق السنوي للمياه التي ينبغي أن تحصل عليها مصر وكيفية إدارة عمليات التدفق أثناء فترات الجفاف.
وفي هذه المذكرة، تقول مصر إنها طرحت اقتراحها لملء وتشغيل السد على إثيوبيا والسودان لكن إثيوبيا رفضت ذلك المقترح وطرحت مقترحا آخر.
ويتفق المقترحان على أن المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد ستستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيتم ملء خزان السد في إثيوبيا إلى 595 مترا، وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السد جاهزة للعمل.
لكن الاقتراح المصري يقول إنه إذا تزامنت هذه المرحلة الأولى مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1987، فيجب تمديد فترة العامين للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي بأسوان من التراجع إلى أقل من 165 مترا، فماذا حدث في تلك الفترة؟
يمر النيل الأزرق بثلاث دورات كل 20 عاما، الأولى ما يعرف بالسبع السمان ويكون هطول الأمطار غزيرا، والثانية تكون نسبة هطول الأمطار متوسطة، وتبلغ ست سنوات، أما الدورة الثالثة هي السبع العجاف التي تنخفض فيها نسبة تدفق المياه.
جفاف النيل
التخوفات المثارة بشأن سد النهضة فتحت الباب لتساؤلات بشأن مدى احتمالية تكرار أزمة جفاف النيل التي وقعت في العصر الفاطمي، أو التي حدثت في الفترة من 1980إلى 1987 مع بداية حكم الرئيس محمد حسني مبارك، والتي ساهمت في خفض تأثيرها بحيرة ناصر.
من ناحيته، قال الدكتور نادر نور الدين خبير الموارد المائية المصري، إن متوسط تدفقات النيل الأزرق 50 مليار متر مكعب كل عام، وأنه في حالة الفيضان الغزير قد تصل التدفقات من 80 إلى 100مليار، وهو ما طلبته مصر من إثيوبيا ان تنتظر سنوات الفيضان الغزير لتبدأ في ملء بحيرة سد النهضة.
سنوات الفيضان الشحيح
وأضاف في حديث مع "سبوتنيك"، السبت، أنه في سنوات الفيضان الشحيح تنخفض تدفقات النيل الأزرق إلى نحو 25 مليار متر مكعب، خاصة أن النيل الأزرق هو نهر موسمي تسير فيه المياه من يونيو/حزيران حتى شهر يناير/ كانون الثاني، من كل عام، وأن مصر كانت تعتمد على النيل الأبيض والقليل القادم من النهرين الأخرين في أثيوبيا "عطبرة والسوباط".
وأضاف أنه لم يحدث أي جفاف إلا في العصر الفاطمي، منذ أكثر من 300 عام، وهي السنوات السبع العجاف، وهي السنوات التي جفت فيها الأنهار الثلاثة في عام واحد إلى أن جاء الفيضان الغزير.
ما الذي تتخوف منه مصر؟
يقول نور الدين إن القانون الدولي يلزم أثيوبيا وأي دولة منبع تقيم سدا على النهر بعدة أمور، أولها المحافظة على المنشآت النهرية السابقة لهذا السد، وهو ما يتطلب الحفاظ على السدود المقامة على نهر النيل في مصر والسودان، بما لا يعطل أو يقلل كفاءة السدود، حسب ما ينص القانون الدولي للأنهار الصادر 1997، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة 2007.
ما سر التمسك المصري بهذا المطلب؟
وشدد نور الدين على أن مصر طلبت من أثيوبيا ضمان ألا يقل تدفقات النيل الأزرق بعد تشغيل سد النهضة عن 40 مليار متر مكعب كل عام، خاصة أن تدفقات النيل كانت 50 مليار، وتنازلت مصر عن 10 مليار، وهو ما فسره بالخطأ الوزير الأثيوبي بأن المقترح المصري يجعل سد النهضة احتياطي للسد العالي.
ويرى نور الدين أن مصر لا تتدخل في السيادة الأثيوبية، إلا أنها تتحدث عن مورد مشترك عليه سيادة مشتركة، وأنه من حق مصر معرفة كافة التفاصيل بالتدفقات وسنوات المليء وضمان عدم تضرر السدود المنشأة سابقا.
ما هي دورة النيل الأزرق؟
وتابع نور الدين أن السنوات السبع التي شهدت انخفاض تدفق النيل الأزرق كانت من 1980 حتى 1987، خاصة دورة النيل الأزرق 20 عاما "سبع ثمان، سبع عجاف، ست متوسطة"، وأن مصر طلبت من أثيوبيا ألا يتزامن مليء السد مع سنوات العجاف، حيث ينخفض تدفق النيل الأزرق إلى النصف بنحو 25 مليار متر مكعب.
وأوضح أن مصر طلبت من أثيوبيا عدم تخزين المياه في وقت الفيضان الشحيح، خاصة أن النيل الأزرق يمثل من 59 إلى 64% من إجمالي تدفقات نهر النيل.
وشدد على أن طلب مصر بتخزين المياه في فترة وفرة المياه وعدم التخزين في سنوات قلة الفيضان، كما أنها لا تريد إعطاء أي سيناريو واضح بشأن عمليات المليء وتقسيمه على السنوات، والنسب التي تخصمها سنويا.
هل نحن مقبلون على السنوات العجاف؟
وأضاف في حديث مع "سبوتنيك"، أن المؤشرات تشير إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد انخفاضا في مستوى تدفق المياه، وأن الفترة من 1980 حتى 1987، لم تؤثر بشكل كبير على مصر لأسباب، أن أثيوبيا والسودان لم يستخدما المياه كما الوقت الحالي، وهو ما خفض حجم التأثيرات التي جرى علاجها من المخزون في بحيرة ناصر.
وأوضح أن مصر لديها عجز قد يتجاوز 50 مليار متر مكعب، على عكس العديد من الدول الأفريقية، وأن مصر لا تمانع بناء السد، لكنها تطالب عدم الضرر بحصتها من المياه.
وأشار إلى أن هناك قدرات يمكن احتمالها وقدرات لا يمكن احتمالها، وأنه في سنوات الفيضان إذا زاد التخزين عن 10 سنوات سينعكس سلبا على مصر، خاصة أنها ستعتمد على المخزون بحيرة ناصر.
ما هي سنوات الجمر
حدثت الأزمة خلال سبع سنوات (1980 إلى عام 1987)، حيث انخفض تدفق النيل الأزرق في تلك الفترة إلى مستوى تدفق السنوات العجاف والذي يقدر بنحو 20 إلى 25 مليار متر مكعب، وهو ما انعكس على تدفق المياه لنهر النيل، إلا أن السد العالي حد من تعرض مصر لأزمة كبيرة إثر انخفاض تدفق المياه من النيل الأزرق.
في تلك الفترة كان مخزون بحيرة ناصر 133 مليار متر مكعب عند مستوى 177.75 مترا عام 1979، انخفضت إلى 125 مليار متر مكعب عام 1980/1981 ثم واصل المخزون انخفاضه مع السحب حتى بلغ نحو 37 مليار متر مكعب عند منسوب 149.4 متر فوق مستوى البحر عام 1988 قبل بدء الفيضان في يوليو/ تموز.
وبحسب موقع "أخبار مصر" فإن التخزين حتى منسوب 147 مترا توازى نحو 31.6 متر مكعب، وهو ما يعتبر تخزين ميت مخصص لاستيعاب ترسيب الطمي في البحيرة على مدى 500 عام.
وصل المخزون الحى للبحيرة إلى نحو 5.4 مليار متر مكعب، قبل أن يأتي الفيضان العالي الذى حدث في صيف العام 1988، ومعه رفع منسوب بحيرة ناصر إلى نحو 168 مترا توازى مخزون قدره 89.2 مليار متر مكعب منها 31 مليار متر مكعب مخزون ميت ليبقى نحو 58.2 مليار متر مكعب مخزون حي.