أفلام أبطال خارقين
0
تسيطر أفلام الكوميكس والأبطال الخارقين على نسبة غير قليلة من حجم الإنتاج السينمائي في الوقت الحالي، وقد صدر قبل أسابيع قليلة أحد أبرز وأنجح تلك الأفلام وأكثرها إثارة للجدل وهو فيلم Joker الذي رآه البعض مختلفاً في جوانب عديدة عن النمط المعتاد لهذا النوع الفني.
الحقيقة أن فيلم Joker -برغم تعدد اختلافاته- ليس إلا نتيجة لمجموعة أسباب تتمثل في أفلام الأبطال الخارقين التي سبقته والتي عمدت إلى الخروج عن النمط المألوف والمعتاد فساهمت في تطوير هذا النوع من الأفلام، التي لولاها ولولا ما حققته من نجاح لكان من الصعب وربما المستحيل قبول المنتجين بتقديم هذا الفيلم، وهذا تحديداً ما سوف نتطرق له من خلال الفقرات التالية.

تاريخ أفلام الأبطال الخارقين وتطورها تقنياً

شهدت الكتب المصورة رواجاً هائلاً خلال عقد الثلاثينات من القرن الماضي ولم يدع منتجو السينما والتلفزيون هذا الأمر يمر دون محاولة استغلاله، فشهد العقد ذاته أولى المحاولات الجادة لتقديم تلك الشخصيات من خلال أعمال سينمائية وتلفزيونية مثل Adventures of Captain Marvel عام 1941 -“كابتن مارفل” المقصود هنا هو شخصية “شازام” وليست شخصية “كابتن مارفل” النسائية التي نعرفها اليوم- وBatman وThe Phantom في 1943 ثم Superman عام 1948.
بلغت صناعة السينما درجة كبيرة من التطور خلال عقدي السبعينيات والثمانينات ونتيجة لذلك قرر المنتجون إعادة الأبطال الخارقين إلى الشاشة من خلال تجارب فنية جديدة أكثر نضجاً من الناحية الفنية وأكثر تطوراً من الناحية التقنية، من أبرز تلك التجارب وأكثرها تأثيراً سلسلة Superman التي انطلقت في 1978 للمخرج ريتشارد دونر وفيلم Batman عام 1989 للمخرج تيم برتون، وسار الأمر على ذات المنوال خلال عقد التسعينيات الذي سيطرت عليه أفلام الخيال العلمي والإثارة بشكل عام نظراً للطفرات الهائلة التي شهدها مجال تصميم وتنفيذ الخدع البصرية وهو الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال سلسلة أفلام The Matrix.
صار تقديم أفلام الأبطال الخارقين أمراً عادياً ومقبولاً بحلول عقد الألفينات حيث لم يعد هناك شيئاً مستحيلاً على المخرجين وصُنّاع الخدع البصرية، مما ساهم في ظهور أفلام مُتقنية كان يصعب مجرد التفكير بها فيما مضى، مثل أفلام Men in Black وسلسلة Blade وأخيراً ثلاثية Spider-Man للمخرج سام ريمي التي خرجت بصورة مُبهرة.

تطور أفلام الأبطال الخارقين فنياً

تطور أفلام الأبطال الخارقين على مَرّ العقود اقتصر على الجانب التقني وحده بينما ظلت محافظة على طابعها الفني والقالب الثابت الذي عُرفت به باعتبارها أفلام مغامرات هزلية، تتمحور حول شخص أو مجموعة أشخاص يمتلكون قوى خارقة للطبيعية يسخرونها لحماية العامة ومكافحة قوى الشر، كانت معظم تلك الأفلام مُستلهمة من شخصيات القصص المصورة الناجحة، بخلاف عدد أقل الشخصيات التي قُدمت على الشاشة مباشرة مثل سلسلة The Meteor Man وسلسلة RoboCop.
تزايدت معدلات إنتاج أفلام الأبطال الخارقين والكوميكس بصورة غير مسبوقة خلال العقدين الماضيين واشتعلت المنافسة بين منتجيها، بناءً على ذلك لم يعد النمط المعتاد لتلك الفئة من الأفلام مُرضياً بالنسبة للمبدعين أو مُغرياً بالنسبة للمشاهدين، لذلك أعلنت بعض الأفلام التمرد على القالب الثابت الذي عفى عليه الزمن فصارت بمثابة علامات بارزة ونقاط فارقة، إذ ساهمت في الارتقاء بتلك النوعية من الأفلام وتطويرها وتغيير مفهومها.

ثلاثية The Dark Knight

ثلاثية The Dark Knight
تمكن المخرج كريستوفر نولان من إحداث قفزة نوعية في عالم سينما الكوميكس من خلال الثلاثية الشهيرة The Dark Knight التي استهلها في عام 2005 بفيلم Batman Begins، التي استطاع من خلالها أن يخلص تلك الفئة من الأفلام من طابعها الهزلي، إذ استعرض عالم الرجل الوطواط Batman من خلال قصة متماسكة تستند إلى حبكة قوية، برع في تمرير العديد من الرسائل وطرح الكثير من القضايا من خلالها مما زاد الثلاثية روعة وأضفى عليها عمقاً، وهو الأمر الذي غيّر مفهوم أفلام الأبطال الخارقين والكوميكس إلى الأبد.
أعلن كريستوفر نولان أيضاً من خلال الثلاثية وخاصة الفيلم الثاني The Dark Knight أن القصص المصورة ليست مقدسة وأن الاقتباس منها لا يُزلم المبدعين بالنقل عنها حرفياً؛ إذ أن نسخة باتمان التي قُدمت من خلال الأفلام كانت مغايرة تماماً للمتعارف عليها في عالم القصص المصورة؛ حيث حاول جعل ثلاثيته أكثر واقعية وبالتالي كانت أكثر مصداقية.

فيلم The Avengers

فيلم The Avengers
أطلقت مارفل عالمها السينمائي في عام 2008 من خلال فيلم Iron Man وقدمت بعده أربعة أفلام فردية أخرى، في منتصف عام 2012 حانت اللحظة الحاسمة التي تبلور عندها العالم السينمائي وتلملت خيوطه واتضح مفهومه؛ كان ذلك من خلال فيلم The Avengers الذي جمع بين أبطال الأفلام السابقة بالإضافة لعدد من الشخصيات الجديدة.
حقق فيلم The Avengers نجاحاً كبيراً عند عرضه وهو بمثابة نقطة فارقة في مسار عالم مارفل السينمائي ويمكن القول أيضاً بأنه ساهم في تغيير شكل السينما المعاصرة، فبفضل ما لاقاه من نجاحات جماهيرية ونقدية تزايدت أعداد العوالم السينمائية وصارت من الأنماط الفنية المتعارف عليها في عالم الفن السابع، بل أن الأمر امتد إلى عالم التلفزيون أيضاً وظهرت العديد من سلاسل المسلسلات التي تدور أحداثها في عالم واحد من أبرزها مجموعة مسلسلات مارفل التي عرضت من خلال Netflix ومجموعة مسلسلات DC التي تبث عبر شبكة The CW.

فيلم Deadpool

فيلم Deadpool
تحظى شخصيات الكوميكس بشعبية طاغية بين كافة الفئات العمرية لكن لا هذا لا ينفي حقيقة أن الصغار والمراهقين يشكلون الشريحة الأكبر من جمهورها، بناء على ذلك لم تكن التضحية بهم بالتنازل عن تنصيف “PG-13” قراراً سهلاً وكان ذلك أحد أسباب تردد المنتجين في تقديم فيلم Deadpool الذي كان لا بد أن يحمل تصنيف “R” أي للكبار فقط، لكن في النهاية قرر المنتجون المجازفة بعدما خفضوا ميزانية الفيلم إلى أدنى حد ممكن.
صدر فيلم Deadpool في عام 2016 متضمناً العديد من مظاهر التمرد على القالب المعتاد لأفلام الكوميكس لكن يظل أبرزها احتوائه على عدد كبير من المشاهد العنيفة والدموية بجانب كسر الجدار الرابع الذي كان من سمات الفيلم الرئيسية. فاق نجاح فيلم Deadpool كل التوقعات ومن هنا تبددت مخاوف التصنيف (R) للأبد، بل أن هناك تخوفات حالياً من فقدانه لهذا التصنيف بعدما استحوذت شركة “ديزني” على حقوق إنتاجه!

فيلم Logan

فيلم Logan
كانت شخصية “لوجان” الشهيرة أول وأكبر المستفيدين من نجاح شخصية “ديدبول” وهو الأمر الذي تمت الإشارة إليه والسخرية منه ضمن أحداث Deadpool 2؛ حيث قرر المخرج جيمس مانجولد أن يكون فيلم Logan -إنتاج 2017- هو الآخر من تصنيف (R) وهو الفيلم الذي يصور نهاية البطل الخارق “لوجان” التراجيدية بعد مسيرته الحافلة بالبطولات والمليئة بالتضحيات.
تميز فيلم Logan عن النمط السائد لأفلام الأبطال الخارقين ليس في احتوائه على العديد من مشاهد العنف والدموية، إنما كان يكمن في القتامة التي سيطرت عليه وطغت على أحداثه، فالفيلم يمكن وصفه بالمؤلم والسوداوي باعتباره يرصد الفصل الأخير في حياة لوجان ويصوره في مرحلة الشيخوخة، حيث يعاني من عدة أزمات نفسية بينما قواه وقدراته الخارقة تتلاشى تدريجياً، وكان هذا أسلوباً غير معهود في عالم أفلام الكوميكس لكنه راق للمشاهدين وتم تصنيف الفيلم من قبل الكثيرين كأفضل خاتمة لسلسلة بطل خارق.

فيلم Wonder Woman

فيلم Wonder Woman
عانى عالم DC منذ إطلاقه من مشاكل عديدة أهمها تردي المستوى الفني لمعظم أفلامه التي واجهت انتقادات لاذعة، لكن هناك استثناءات قليلة لتلك القاعدة أولها فيلم Wonder Woman -إنتاج عام 2017- الذي جاء مبهراً ومميزاً في نواحي عديدة كما حقق نجاحاً كبيراً على المستويين الجماهيري والنقدي، وتلقت مخرجته باتي جنكيز إشادة كبيرة.
دمج فيلم Wonder Woman بين الوقائع التاريخية والخيال المحض وجمع بين نمطي أفلام الإثارة والخيال العلمي والأفلام الحربية، لكن يبقى أثره الأبرز أنه بما حققه من نجاح فتح الباب على مصرعيه أمام البطولات النسائية في عالم الأبطال الخارقين، فقدمت مارفل فيلم Captain Marvel في 2019 ليكون أول بطولة نسائية يتضمنها عالمها السينمائي بعد 11 عاماً من إطلاقه، كما تتضمن قائمة الأفلام المنتظرة لكل من مارفل ودي سي المزيد من تلك الأفلام أبرزها فيلم Birds of Prey وفيلم Black Widow وكلاهما مقرر عرضه بالعام المقبل.

فيلم Black Panther

فيلم Black Panther
طالما تم استغلال شخصيات الأبطال الخارقين على صفحات الكوميكس في الترويج للأفكار والمبادئ، فيُشاع أن زي سوبرمان تم تصميمه عمداً بألوان العلم الأمريكي بينما كان ابتكار شخصية ووندر وومان انتصاراً للمرأة ودعماً لمبدأ المساواة بينما كان الهدف من سبايدر مان طرح قضايا المراهقين، حتى أن في أحد إصدارات كوميكس باتمان تم تصوير شخصية “بن لادن” كحليف للجوكر الشرير.
حرصت أفلام الأبطال الخارقين -على خلاف الكوميكس- على البُعد التام عن مثل تلك القضايا، أو كانت كذلك حتى أطلقت مارفل فيلم Black Panther -للمخرج ريان كوجلر- في عام 2018 الذي جاء مناهضاً للفكر العنصري ومنتصراً لحقوق أصحاب البشرة السمراء، وقد حقق الفيلم نجاحاً ساحقاً ودخل التاريخ باعتباره أول فيلم كوميكس ينافس على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم.
0