بهذه الكلمات فتحت الصحافية الشابة «Matilda Gustafson – ماتيلدا جوستافسون» النار على الأكاديمية الملكية السويدية، وهي المؤسسة التي تقرر المرشحين والفائزين بجائزة نوبل الأكثر شهرة في العالم، لتعيش بعدها الأكاديمية أسوأ كابوس مر عليها منذ أن أسسها ملك السويد قبل أكثر من 200 عامًا، نتيجة لفضيحة «جنسية- مالية» هزت الأوساط الثقافية.
نشبت العام الماضي خلافات حادة بين الأعضاء الثمانية عشر، الأمر الذي دفع بالأمينة العامة الدائمة للأكاديمية «Sara Danius – سارة دانيوس» للانسحاب فضلًا عن سبعة آخرين انسحبوا بشكل مؤقت أو دائم؛ مما دعا الأكاديمية لحجب جائزة نوبل للآداب للعام الماضي 2018، وإرجاء إعلانها مع جائزة العام الحالي 2019.
الخبر في غضبٍ واسع النطاق، وأدى تقريبًا إلى حل الأكاديمية. بدلًا من ذلك، ألغوا منح جائزة 2018، وعقدوا العزم على إعادة البناء من الداخل، وقد أدى كل ذلك إلى انخفاض ثقة الجمهور في الأكاديمية، ووضع جائزة نوبل على المحك.
جائزة نوبل
يحصل الفائزون على ميدالية ودبلوم و1.2 مليون دولار من أموال الجائزة.

وراء كواليس جائزة نوبل للآداب 

تضم الأكاديمية السويدية 18 عضوًا مدى الحياة؛ تفصل هذه المجموعة في قائمة مختصرة سرية كل عام تختار منها الفائز بالجائزة الأكثر شهرة للأدب على هذا الكوكب. إنها أيضًا واحدة من أغنى الجوائز: (هذا العام، تبلغ قيمتها 9.0 مليون كرونا، أو 1.2 مليون دولار).
يعتمد الكثير على أذواق ومعتقدات «مجلس الثمانية عشر» كما يطلقون عليهم، ونظرًا للمكانة الأدبية والتاريخية والهيبة المرتبطة بالجائزة يمكن التفكير في أن أعضاء الأكاديمية المعينين مدى الحياة هم المجلس المبجل الجدير بالإجلال والاحترام بشكل خاص.
ولكن وراء الكواليس، فإن قصة جائزة نوبل في الأدب مليئة بالتعالي والإغفالات والتفضيلات الشخصية للأعضاء. فعلى سبيل المثال، نجد إن الكاتب الإنجليزي «Graham Greene – غراهام غرين» لم يفز بها أبدًا، كما لم يفز بها «Jorge Luis Borges – خورخي لويس بورخيس» أو «R.K. Narayan – آر. نارايان» أو «Philip Roth – فيليب روث»، ولم يربحها عميد الأدب العربي «طه حسين» أبدًا.. والقائمة المهملة طويلة جدًا.
كما أن ليس الجميع معجب بالجائزة، فقد سبق أن رفضها «Johnny Sartre – جوني سارتر»، وكان رد فعل «Bob Dylan – بوب ديلان» للفوز بها في عام 2016 ستة أشهر من الصمت المميت، ورفض التعليق على الأمر، ثم وافق على قبول الميدالية في العام التالي. واجهت الأكاديمية، في وقتها، انتقادات واستقالات واتهامات بالنخبوية، ولكن في العام الماضي 2018، أجبرت على الإجابة عن سلوك بعض أعضائها فيما يتعلق بالنزاهة والشرف.

فتيل الأزمة

اندلعت الفضيحة لأول مرة في نوفمبر العام الماضي، في إطار حملة اندلعت تحت وسم #أنا_أيضًا #MeToo عندما نشرت صحيفة «Dagens Nyheter – داجينز نيهتر» مزاعم مقدمة من 18 امرأة تتهم المصور الفوتوغرافي «Jean Claude Arnault – جان كلود آرنو»، بالاغتصاب والتحرش الجنسي والإيذاء البدني والتحرش على مدى أكثر من 20 عامًا في السويد وفرنسا.
ويُعد زوج «آرنو» عضوة الأكاديمية «Katarina Frostenson – كاتارينا فروستنسون»، هو شخصية مؤثرة في المشهد الثقافي السويدي لعدة عقود، ويطلق عليه لقب «The Cultural Personage – الشخصية الثقافية».
نوبل للأدب
«آرنو» وزوجته «فروستينسون».
وقد أثارت القضية عاصفة داخل الأكاديمية السويدية التي كان للمصور «آرنو» علاقات وثيقة معها بحكم زواجه من «فروستنسون» الشاعرة والمسرحية السويدية المعروفة وعضو الأكاديمية المرموقة.
وتراوحت الاتهامات ما بين الاغتصاب والتحرش، واستغلال النفوذ، حيث كان تفاخر بأنه العضو التاسع عشر في الأكاديمية، فضلًا عن تسريب أسماء الحائزين على الجائزة قبل الإعلان الرسمي، في شكل مُراهنات للفوز، وسوء استخدام الأموال، مستغلًا نفوذه في الأوساط الثقافية السويدية.
كما أن العديد من الاعتداءات التي ارتكبها «آرنو» والذي يقضي الآن عقوبة السجن بتهمة الاغتصاب، وقعت في أماكن مملوكة للأكاديمية، حيث استغل الشقة المملوكة للأكاديمية بشارع دو شارش ميدي بالحي اللاتيني في باريس في تلك الممارسات.
واجهت «آرنو»، 73 عامًا، تهم إجبار امرأة على ممارسة الجنس عن طريق الفم والاتصال الجنسي في شقة ستوكهولم في 5 أكتوبر 2011، واغتصابها مرة أخرى في 2 ديسمبر في نفس الشقة بينما كانت نائمة. وقد أُدين في التهم الأولى، وبُرِّئ من التهمة الثانية، وحصل الطرف المتضرر على تعويضات عن الأضرار.
وفي حكم بالإجماع، حكمت محكمة ستوكهولم على «آرنو» – زوج أحد أعضاء الأكاديمية السويدية، التي تمنح جائزة الأدب الأكثر شهرة في العالم – بالسجن لمدة عامين، وهو الحد الأدنى للعقوبة.
قدمت ثمان نساء شكاوى رسمية، ولكن تم إسقاط جميع الحالات فيما بعد؛ بسبب عدم كفاية الأدلة، أو لأنها تجاوزت قانون التقادم. وقالت المرأة في القضية التي قدمت للمحاكمة للشرطة عن اعتداءات عام 2011 إنها لم تتقدم في وقت سابق لأن «آرنو» كان صديقًا جيدًا لمديرها.
تسببت الفضيحة بحدوث زلزال في قلب الأكاديمية العريقة، فإلى جانب الفضيحة الجنسية كان هناك فضيحة فساد مالي، تخص نادي «فوروم» الذي يملكه «آرنو» وزوجته منذ عام 1989 في ستوكهولم.
فقد كان «آرنو» وزوجته «فروستينسون» يديران نادي «فوروم» كمنتدى ثقافي، يرتاده ناشرون وكتّاب ومؤلفون ومؤلفات، ويعرض معارض فنية وقراءات ونقاشات للشخصيات الثقافية البارزة، بما في ذلك الحائزين على جائزة نوبل. تمويل النادي جزئيًا يتمثل بدعم سخي من قبل الأكاديمية.
حيث قامت الأكاديمية بتقديم دعم مالي بما يقارب الثلاثة عشر ألف يورو سنويًا منذ عام 2010، بما يمثل انتهاكًا لقاعدة تعارض المصالح، مما وضعها نصب أعين السلطات السويدية.
وتسببت الفضيحة «الجنسية- المالية» في مغادرة ستة من أعضائها من أصل 18 عضوًا، وإعلان رئيسة الأكاديمية استقالتها، مما اضطر الأكاديمية مطلع مايو 2018 لإرجاء منح جائزة نوبل لعام 2018 لمدة عام واحد، وهو أمر لم يحدث منذ قرابة السبعين سنة.
جائزة نوبل
المصور «جون كلود آرنو» رجل فضيحة نوبل، حكم عليه بالسجن بتهمة الاغتصاب.
في أعقاب هذه الفضيحة، هددت مؤسسة نوبل بتجريد الأكاديمية من حقها في منح الجائزة، وأودت الخلافات الداخلية المريرة حول كيفية التعامل مع الاتهامات الموجهة ضد «آرنو» إلى مغادرة سبعة من أعضاء الأكاديمية البالغ عددهم 18. وفقط من خلال النصاب القانوني الطارئ تمت إعادة تشكيل اللجنة من 18 عضوًا، دون وجود «آرنو» وزوجته «فروستينسون».
وفي مايو من العام الماضي، أعلنت الأكاديمية -التي أسسها الملك غوستاف الثالث في عام 1786، وما زالت تحت الرعاية الملكية- أنه نظرًا لعضويتها المتناقصة حاليًا جراء الإستقالات، وانخفاض ثقة الجمهور في مداولاتها، فإنها لن تمنح جائزة لهذا العام 2018. سيتم الإعلان عن اثنين من الفائزين في عام 2019.
جدير بالذكر، إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل الجائزة، فقد سبق تأجيلها خمس مرات منذ إنشائها عام 1901، وكان التأجيل الأخير في عام 1949، ووقتها قالت الأكاديمية إن الترشيحات لم تتوافق مع الضوابط المنصوص عليها في وصية «ألفريد نوبل».

تصحيح مسار

فيما أعلنت الأكاديمية السويدية أمس الخميس أمساء الفائزين بجائزة نوبل في الأدب لعامي 2019 و 2018، وهما المؤلف النمساوي «Peter Handke – بيتر هاندكه» منح الجائزة لعام 2019، والمؤلفة البولندية «Olga Tokarczuk – أولغا توكاركوك» منحت الجائزة لعام 2018. وحدث هذا الإعلان المزدوج لأنه لم يتم منح الجائزة في العام الماضي بعد اندلاع فضيحة أحد الأعضاء وزوجها.
جائزة نوبل في الأدب
تم تسمية اثنين من الفائزين – واحد لعام 2019 والآخر لعام 2018 – لأن الجائزة لم تُمنح العام الماضي على خلفية فضيحة «جنسي-مالية».
ويُعتقد أن الأكاديمية السويدية، التي تأسست عام 1786، حاولت تجنب أي جدال بإعلانها فوز كلًا من«بيتر هاندكه» و«أولغا توكاركوك»؛ لأنها تسعى إلى إعادة بناء سمعتها مرة أخرى، كما حاولت الابتعاد عن منظور الأدب الذكوري والأدب الأوروبي. قبل اليوم، فازت 14 امرأة فقط بجائزة نوبل في الأدب منذ منحها لأول مرة في عام 1901.
كشفت الفضيحة التي اشتعلت أحداثها العام الماضي عن حجم الفساد، وتضارب المصالح، وانعدام ثقافة السرية بين أعضائها البالغ عددهم 18 شخصًا، والذين يتم انتخابهم مدى الحياة، وينظر إليهم كأوصياء على الثقافة في البلاد.
وقامت الأكاديمية بإجراء تغييرات تقول إنها ستحسن الشفافية، بما في ذلك السماح للأعضاء بالاستقالة طواعية، وهو ما لم يتمكنوا من فعله من قبل. كما تعهدت بمراجعة سياسة العضوية مدى الحياة، وعينت خمسة أعضاء في لجنة الاختيار من خارج الهيئة.
كما تولى أستاذ الأدب المخضرم «Mats Malm – ماتس مال» منصب سكرتير دائم في يونيو بعد استقالة سلفه «سارة دانيوس». فيما قالت مؤسسة نوبل، التي تمول جائزة العالم الأدبي المرموقة، إن الأكاديمية لا تزال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد. وقال «Lars Heikensten – لارس هايكنشتن»، المدير التنفيذي لمؤسسة نوبل:
«إن سمعتنا هي كل شيء.. وعلينا تجنب هذا النوع من الأزمات التي مررنا بها، وبالطبع نعمل على عدم تكرارها».
والآن، ستقدم الجوائز رقم 111 و 112 في تاريخ جائزة نوبل للأدب، والسؤال هو: هل ستؤدي عملية وضع ضوابط جديدة لأعضاء الأكاديمية إلى تغيير نتائج الفائزين والتي عادة ما تكون غامضة ومثيرة للجماهير؟! إذا كان الأمر كذلك، فانتظر أن يحصل «Haruki Murakami – هاروكي موراكامي»، الذي كان المرشح الدائم بين المرشحين المفضلين لأكثر من عقد، على الجائزة قريبًا.
أو ربما سترسل خيارات الأكاديمية رسالة إلى منتقديها. فمنذ فترة طويلة يعتقد أن الجائزة منحازة للذكور من النخبة الثقافية البيضاء، وللرواية الأوروبية، والعضويات الجديدة للجنة نوبل (التي تضم 12 من الرجال البيض، وخمس نساء من البيض، وامرأة واحدة سويدية لها جذور عربية)، كما أن عليها إعادة تعريف العقيدة الأكاديمية المتمثلة في شعار «الموهبة والتذوق» المستخدم منذ فترة طويلة.
قد لا تؤدي الجرعة المزدوجة من الفائزين، أمس الخميس، إلى حل جميع التوترات حول جائزة نوبل في الأدب، لكنها ستكون عنوانًا أفضل بكثير مما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة.
أهم شيء وراء جوائز نوبل للأدب هذا العام والأعوام المقبلة، هو السؤال عن: كيف ستحافظ الأكاديمية على نزاهتها مستقبلًا؟ ولكن مع رحيل «آرنو» والعديد من المدافعين عنه، وتعديل مراجعة سياسة العضوية، فإن الجائزة لديها فرصة لاستعادة بريقها المفقود.