- الثقافة المغربية مليئة بالأساطير والخرافات , والحكايات الملحمية و والشخصيات السحرية , وفي نقطة ما يلتقى الخيال بالحقيقة , الأسطورة بالواقع , فنجد أن تلك القصص الأسطورية أصبحت تراثاً متوارثاً يكاد يكون قريباً جداً من التصديق عند أغلب الناس في بلاد المغرب العربي , بل في جميع بلادنا العربية , حيث تشكل الأسطورة سطوراً لا يستهان بها في صفحات تاريخنا العربي , وعلى الرغم من أن تلك الأساطير والخرافات تمثل تراثنا الشعبي , إلا أن بعضها قد يخالف تعاليم ديننا الإسلامي , مثل الإيمان بالسحر وطلب الأمنيات من الجن وغيره من المخلوقات , او التبرك بأماكن معينة وكأنها مقدسة .. ولكن دعونا الآن نتعرف على أشهر 5 أساطير في بلاد المغرب العربي..
1- عيشة قنديشة
- تعتبر عيشة قنديشة او سيدة المستنقعات من أكثر شخصيات الجن شعبية في التراث الشعبي المغربي , و يتم تصويرها في شكل ساحرة عجوز شمطاء وحاسدة تقضي مطلق وقتها في حبك الألاعيب لتفريق الأزواج وتارة أخرى تأخذ شبها قريبا من «بغلة الروضة» (بغلة المقبرة) فتبدو مثل امرأة فاتنة الجمال تخفي خلف ملابسها نهدين متدليين وقدمين تشبهان حوافز الماعز أو الجمال أو البغال (بحسب المناطق المغربية).
- تفتن عيشة قنديشة الرجال بجمالها وتستدرجهم إلى وكرها حيث تمارس الجنس معهم ومن ثم تقتلهم فتتغذى على لحوم ودماء أجسادهم إلا أنها تخاف من شيء واحد وهو اشتعال النار أمامها، وفي إحدى القصص التي تدور حولها يزعم أن عيشة قنديشة اعترضت مرة سبيل رجال كانوا يسكنون القرى فأوشكت على الإيقاع بهم من خلال فتنتها إلا أنهم استطاعوا النجاة منها خلال قيامهم بحرق عمائمهم أمامها وذلك بعد أن لاحظوا شيئاً فيها يميزها عن بقية النساء وهو أقدامها التي تشبه قوائم الجمل، إذن فالسبيل الوحيد للنجاة منها هو ضبط النفس ومفاجئتها بالنار لأنها تعتبر نقطة ضعفها
- لا ينحصر تداول هذه الأسطورة في أوساط العامة فقد كتب عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون عنها في كتابه أساطير ومعتقدات من المغرب حيث تتداول أوساط العامة أسطورة تحكي كيف ان أستاذا أوروبيا للفلسفة في احدى الجامعات المغربية كان يحضر بحثاً حول عيشة قنديشة فوجد نفسه مضطراً إلى حرق كل ما كتبه حولها وايقاف بحثه ثم مغادرة المغرب، بعدما تعرض لحوادث عدة غامضة ومتلاحقة.
* أصل الأسطورة
- حسب بعض الروايات فعيشة قنديشة شخصية حقيقية وهي امرأة تنحذر من الأندلس، من عائلة موريسكية نبيلة طردت عائلتها من هناك، عاشت في القرن الخامس عشر وأسماها البرتغاليون بعيشة كونديشة أي الأميرة عيشة (الكونتيسا contessa). وقد تعاونت مع الجيش المغربي آنداك لمحاربة البرتغاليين الذين قتلوا وشردوا أهلها. فأظهرت مهارة وشجاعة في القتال حتى ظن البعض وعلى رأسهم البرتغاليون أنها ليست بشرا وانما جنية.
صنعت لنفسها مجدا واسما ذائعا لدى المقاومين والمجاهدين وو عامة المغاربة لما حاربت الاحتلال واتخذت في ذلك مذهبا غريبا كانت تقوم باغراء جنود الحاميات الصليبية وتجرهم إلى حتفهم إلى الوديان والمستنقعات حيث يتم ذبحهم بطريقة ارعبت المحتلين الأوروبين.
بالنسبة إلى الانثربولوجي الفنلندي وستر مارك الذي درس أسطورتها بعمق يتعلق الامر باستمرار لمعتقدات تعبدية قديمة، ويربط بين هذه الجنية المهابة الجانب "عشتار" الهة الحب القديمة التي كانت مقدسة لدى شعوب البحر الأبيض المتوسط وبلاد الرافدين من القرطاجيين والفينيقيين والكنعانيين، حيث الذين كانوا يقيمون على شرفها طقوساً للدعارة المقدسة، وربما أيضا تكون "عيشة قنديشة" هي ملكة السماء عند الساميين القدامى اعتقدوا قبلنا في انها تسكن العيون والأنهار والبحار والمناطق الرطبة بشكل عام.
2- بغلة القبور
- بغلة القبور هي اسطورة قروية , تنتشر في القرى المنعزلة في المغرب , ويقال ان بغلة القبور تعيش في أعالي الهضاب , وحسب الاسطورة , فإن بغلة القبور هي كائن يخرج من المقبرة حين يأتي الليل , وتستمر في الركض حتى الفجر , تجر وراءها السلاسل .
- وفي ظلام الليل تبدو مضيئة بفعل الشرر الهائل الذي يتطاير من عينيها وتحدث حركتها جلبة مرعبة تمزق صمت الليل الموحش فوقع حوافرها وصليل السلاسل الحديدية التي تحملها في عنقها يرعب كل من يلمحها او يصادفها في طريقه.
- واذا حدث ان صادفت في تجوالها الليلي رجلا تحمله على ظهرها الى حيث مستقرها في المقبرة وهناك تحفر له قبرا لتدفنه حيا او تأكله والامر مرتبط برغبتها وشهيتها وحسب الاسطورة فإن «بغلة القبور» كانت في وقت سابق من حياتها امرأة ترملت (اصبحت ارملة) ولم تلتزم بتعاليم العرف الاجتماعي الذي يلزمها باحترام «حق الله» اي ان تلبس ثيابا بيضاء طيلة فترة العدة ولا تغادر بيت الزوجية ولا تعاشر رجلا آخر خلال ذلك.
- وبسبب عدم التزامها «حق الله» انتقم منها الله فكان جزاؤها اللعنة الابدية التي حولتها الى جنية لها هيئة بغلة تنام النهار مع الموتى وتمضي الليل «تتعذب» وفي بعض المناطق كان الناس يعتقدون ان في امكان «بغلة القبور» ان تتنكر لتدخل البيوت في هيئة قريب او صديق، وتختطف احد افراد الاسرة الى مقبرتها.
3- بابا عيشور
- بابا عيشور وفقاً للأساطير المغربية القديمة فهو "سانتا كلوز" المغرب , فهو رجل حكيم وقديم , وفاضل جداً يساعد الفقراء , وطبقاً للفلكلور الشعبي , فإن بابا عيشور , ذهب إلى مجلس النواب ليطلب التبرعات والهدايا ليقوم بتوزيعها على الأطفال المحتاجين , ولهذا فإن هذه الشخصية ينتظرها الأطفال دائماً في الأعياد , حيث في آواخر القرن 19 كان الناس يجلسون معاً حول النار في المناسبات ليسردون قصصه مع تناول المكسرات والحلويات والرقص والغناء, ثم إختفت تلك القصص شيئاً فشيئاً وغمرها النسيان , ولكن هناك بوادر لغستعادة هذا التقليد القديم حيث أن الأطفال في فترة عيد عاشوراء يجولون من منزل لآخر مرتدين الاقنعة والأزياء التنكرية يطلبون الحلوى والفواكه الجافة أو حتى النقود وذلك بإلقاء السؤال "حق بابا عيشور?" على من يفتح الباب. يعتبر حق بابا عيشور من أهم التقاليد في عاشوراء. حيث يقوم كل من يسكن في حي فيه الكثير من الأولاد بشراء الحلوى والفواكه الجافة وتحضيرها لحين قدوم الأولاد في العيد. أصبح هذا التقليد مشهورا في الاونة الأخيرة حيث يعتبر كبديلا للالعاب النارية التي تؤدي عادة إلى مجموعة من الحوادث
4- أساطير قلعة شالة
- قلعة شالة موقع أثري بالقرب من الرباط. بنيت في القرن السادس قبل الميلاد. وقد شهدت هذه المدينة سنة 40 م تحولا جديدا تحت الحكم الروماني حيث حدث تغيير في مكوناتها الحضارية بإنشاء الساحة العمومية والحمامات والمعبد الرئيسي وتحصينها بحائط متوسط امتد من الساحل الأطلسي إلى حدود وادي عكراش.
- فماذا في القلعة من أسرار ؟ و ما قصة أسماك حوض النون التي تحقق الأحلام ؟ و ما قصة الجنية التي تحرس كنوز سليمان ؟
* حوض النون : بركة مائية صغيرة، داخل أسوار قلعة شالة العريقة، تجتذب الزوار من كل مكان، و تسبح فيها أسماك النون الصغيرة التي تشبه الأفاعي.
لقد ودعت هذه البركة أيام الماضي الغابر، حين كانت حوضا للسباحة يقصده المتطهرون قبل الوضوء، فيشاركون أسماك النون في السباحة و يؤدون معها طقوس الطهارة قبل أن يخرجوا للوضوء، لكنها و منذ مئات السنين تحولت إلى معلمة تاريخية أثرية، و بقيت فيها أسماك النون وحيدة، لا يؤنس وحدتها إلا قدوم الزائرين من كل مكان... يرمون لها فتات البيض، فتستقبلهم برقصة جماعية متناسقة و كأنها تنساب في الماء على وقع موسيقى صامتة.
و في قاع الحوض تتلألأ قطع نقدية معدنية يرميها الباحثون عن تحقيق أحلامهم، و تتلوى السمكات الصغيرات و تضرب الماء بأذنابها فيما يخيل للرائي أنه تعبير منها عن الشكر و البهجة و وعد بتحقيق الأحلام.
- و الحوض الذي تسبح فيه الآن سمكات النون بسلام و يتوافد لزيارته مئات الناس كل أسبوع، هو حوض "مسكون"، إذ تحدثنا الأسطورة أن هذه الأسماك التي نراها ليست إلا مجرد تمثلات لجنيات داخل الحوض و أن لهذه الجنيات ملكة عظيمة تحرس كنوز سليمان، لكنها لا تظهر للعامة.
- و عن ارتباط أسماك النون بالأسطورة يقول:"ربما يكون شكلها الذي يشبه الأفاعي سببا في تخوف الناس منها و ربطها بالخرافة " و يضيف:"علينا أن نعلم أن سمك النون لا يهرب عندما يغتسل الناس في الحوض، لأنه بكل بساطة قد ألفهم...و قد يكون هذا ما أضفى عليه طابع الجنيات "
تقول الأسطورة إنه عند هبوط الظلام، تخرج جنية الحوض من مخبئها في جلال و مهابة، و تتبعها بقية الجنيات اللواتي يتمظهرن على شكل سمكات تطير و تحوم في سماء قلعة شالة ، و يقال إن أعدادها كبيرة جدا ، و إنها تشبه أسراب النحل...صحيح أن السيدة المقيمة قرب الحوض لم تر جنية القلعة لكنها تؤكد أن القلعة كلها "مملوكة" أي ملك للجان.
5- أساطير مغارة "إمي نفري"
- "إمي نفري" عبارة أمازيغية تقابلها في اللغة العربية "فم المغارة"، والتي تعد مزارا سياحيا فريدا، لا مثيل له في المغرب.
ويقع هذا المزار على بعد ستة كيلومترات فقط من مدينة دمنات (وسط المغرب)، الشهيرة بأسوارها التاريخية، والتي تبعد بدورها عن مراكش، عاصمة السياحة في المغرب، بحوالي 100 كيلومتر.
- "إمي نفري" عبارة عن مغارة كبيرة ينفذ منها واد صغير يسمى "تيسليت" (العروس) ليشكلا قنطرة طبيعية نحتها جريان مياه وسط المغارة على مدار آلاف السنين.
* الحديث إلى ساكنة المنطقة، حسب مراسلة الأناضول، يقودك إلى حكايات وأساطير، من قبيل أن وحشا له سبعة رؤوس، كان يتخذ المغارة مسكنا له، وعلى رأس كل سنة يضطر أهل البلدة لتقديم فتاة جميلة قربانا له، وفي إحدى المرات، تدخل أحد الفرسان لحماية الفتاة التي جاء دورها، ونازل الوحش إلى أن قتله.
- مكن للسياح أيضا أن يقفوا خلال زياراتهم على قصص وأساطير نسجها أهالي المنطقة عن "إمي نفري" ومياه العيون التي تنبع منها، ومن هذه الأساطير، التي أبدى سياح إعجابا بها، في تصريحات لمراسلة الأناضول، واحدة تفيد بأن إحدى العيون كانت في الأصل ضريحا لولي صالح يدعى "سيدي ناصر أو مهاصر".
تقول الأسطورة إنه غير معلوم إن كان من الجن أم من الإنس، لكنه يسود يقين بين الأهالي بأن السباحة في هذه العين/ الضريح من شأنها أن تزيل "النحس" عن الفتيات، وتيسر زواجهن.
وقد كان لهذه الأسطورة أثر السحر في رفع الإقبال على هذه المنطقة، وعلى هذه العين تحديدا، ليس من المسلمين فقط، بل من اليهود أيضا الذين كانوا يعيشون بالآلاف في مدينة دمنات، قبل أن يقرروا الهجرة إلى فلسطين المحتلة خلال النصف الثاني من القرن الماضي، حيث لم يتبق منهم حاليا سوى عجوز تتشبث بالحياة حتى الموت في مسقط رأسها.